فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القاضي أبو محمد: وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم، كما لو قال جعلنا لهم بنين وأعوانًا أي وهم لهم أعوان، فكأنه قال: وهم حفدة وقوله: {ورزقكم من الطيبات} يريد الله: من الأشياء التي تطيب لمن رزقها، ولا يقتصر هنا على الحلال لأنهم كفار لا يكتسبون بشرع، وفي هذه الآية رد على من قال من المعتزلة: إن الرزق إنما يكون الحلال فقط، و{لكم} تعلق في لفظة {من} إذ هي للتبعيض، فيقولون: ليس الرزق المعدد عليهم من جميع ما بأيديهم إلا ما كان حلالًا، وقرأ الجمهور: {يؤمنون}، وتجيء الآية على هذه القراءة توقيفًا لمحمد صلى الله عليه وسلم على إيمانهم بالباطل وكفرهم بنعمة الله، وقرأ أبو عبد الرحمن {تؤمنون} بالتاء من فوق، ورويت عن عاصم على معنى قل لهم يا محمد، ويجيء قوله بعد ذلك {وبنعمت الله هم يكفرون} إخبارًا مجردًا عنهم وحكمًا عليهم لا توقيفًا، وقد يحتمل التوقيف أيضًا على قلة اطراد في القول.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}.
هذه آية تقريع للكفار وتوبيخ وإظهار لفساد نظرهم ووضع لهم من الأصنام في الجهة التي فيها سعي الناس وإليها هممهم، وهي طلب الرزق، وهذه الأصنام لا تملك إنزال المطر ولا إثبات نعمة، ومع أنها لا تملك لا تستطيع أن تحاول ذلك من ملك الله تعالى، وقوله: {رزقًا} مصدر ونصبه على المفعول ب {يملك}، وقوله: {شيئًا} ذهب كثير من النحويين إلى أنه منصوب على البدل، من قوله: {رزقًا} و{رزقًا} اسم، وذهب الكوفيون وأبو علي معهم إلى أنه منصوب بالمصدر في قوله: {رزقًا} ولا نقدره اسمًا، وهو كقوله تعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتًا أحياء وأمواتًا} [المرسلات: 25-26]. فت {كفاتًا} [المرسلات: 25]. مصدر منصوب به {أحياء} [المرسلات: 26]، ومنه أيضًا في قوله عز وجل: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيمًا ذا مقربة} [البلد: 14-15]. فنصب {يتيمًا} [البلد: 15]. ب {إطعام} [البلد: 14]، ومنه قول الشاعر: الطويل:
فلولا رجاء النصر منك ورهبة ** عقابك قد صاروا لنا كالموارد

والمصدر يعمل مضافًا باتفاق لأنه في تقدير الانفصال، ولا يعمل إذا دخله الألف اللام لأنه قد توغل في حال الأسماء وبعُد عن حال الفعلية، وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله، وقد جاء عاملًا مع الألف واللام في قول الشاعر:
ضعيف النكاية أعداءه

البيت:
وقوله: عن الضرب مسمعًا، وقوله: {يملك} على لفظ {ما}، وقوله: {يستطيعون} على معناها بحسب اعتقاد الكفار في الأصنام أنها تعقل، ويحتمل أن يكون الضمير في {يستطيعون} للذين يعبدون، المعنى لا يستطيعون ذلك ببرهان يظهرونه وحجة يثبتونها، وقوله: {فلا تضربوا} أي لا تمثلوا لله الأمثال، وهو مأخوذ من قولك: ضريب هذا أي مثله، والضرب النوع، تقول: الحيوان على ضروب، وهذان من ضرب واحد، وباقي الآية بين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق} أي جعل منكم غنيًا وفقيرًا وحرًا وعبدًا.
{فَمَا الذين فُضِّلُواْ} أي في الرزق.
{بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رُزق شيئًا حتى يستوي المملوك والمالك في المال.
وهذا مثل ضربه الله لعبدة الأصنام، أي إذا لم يكن عبيدكم معكم سواء فكيف تجعلون عبيدي معي سواء؛ فلما لم يكن يشركهم عبيدهم في أموالهم لم يجز لهم أن يشاركوا الله تعالى في عبادة غيره من الأوثان والأنصاب وغيرهما مما عُبد؛ كالملائكة والأنبياء وهم عبيده وخلقه.
حكى معناه الطبري، وقاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم.
وعن ابن عباس أيضًا أنها نزلت في نصارى نَجْران حين قالوا عيسى ابن الله فقال الله لهم: {فَمَا الذين فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رزق حتى يكون المولى والعبد في المال شرعًا سواء، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم فتجعلون لي ولدًا من عبيدي.
ونظيرها: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} على ما يأتي.
ودل هذا على أن العبد لا يملك، على ما يأتي آنفًا.
قوله تعالى: {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}.
جعل بمعنى خلق؛ وقد تقدم.
{مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} يعني آدم خلق منه حواء.
وقيل: المعنى جعل لكم من أنفسكم، أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقتكم؛ كما قال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي من الآدميين.
وفي هذا ردّ على العرب التي كانت تعتقد أنها كانت تزوَّج الجن وتباضعها، حتى روي أن عمرو بن هند تزوج منهم غُولًا وكان يخبؤها عن البرق لئلا تراه فتنفر، فلما كان في بعض الليالي لمع البرق وعاينته السِّعلاة فقالت: عمرو! ونفرت، فلم يرها أبدًا.
وهذا من أكاذيبها، وإن كان جائزًا في حكم الله وحكمته فهو ردّ على الفلاسفة الذين ينكرون وجود الجانّ ويحيلون طعامهم.
{أَزْوَاجًا} زوج الرجل هي ثانيته، فإنه فرد فإذا انضافت إليه كانا زوجين، وإنما جعلت الإضافة إليه دونها لأنه أصلها في الوجود كما تقدم.
قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} فيه خمس مسائل:
الأولى قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ} ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء، ووجود الأبناء يكون منهما معًا؛ ولكنه لما كان خلق المولود فيها وانفصاله عنها أضيف إليها، ولذلك تبعها في الرّق والحرية وصار مثلها في المالية.
قال ابن العربيّ: سمعت إمام الحنابلة بمدينة السلام أبا الوفاء علي بن عقيل يقول: إنما تبع الولد الأم في المالية وصار بحكمها في الرق والحرية؛ لأنه انفصل عن الأب نطفة لا قيمة له ولا مالية فيه ولا منفعة، وإنما اكتسب ما اكتسب بها ومنها فلأجل ذلك تبعها.
كما لو أكل رجل تمرًا في أرض رجل وسقطت منه نواة في الأرض من يد الآكل فصارت نخلة فإنها ملك صاحب الأرض دون الآكل بإجماع من الأمة لأنها انفصلت عن الآكل ولا قيمة لها.
الثانية قوله تعالى: {وَحَفَدَةً} روى ابن القاسم عن مالك قال وسألته عن قوله تعالى: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} قال: الحَفَدة الخدم والأعوان في رأيي.
وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَحَفَدَةً} قال هم الأعوان، من أعانك فقد حفدك.
قيل له: فهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم وتقوله! أو ما سمعت قول الشاعر:
حَفَد الولائدُ حولهن وأسلَمتْ ** بأكفّهنّ أزِمّةَ الأجمال

أي أسرعن الخدمة.
والولائد: الخدم، الواحدة وليدة؛ قال الأعشى:
كلّفت مجهولها نُوقًا يمانية ** إذا الحُداة على أكسائها حَفَدُوا

أي أسرعوا.
وقال ابن عرفة: الحفدة عند العرب الأعوان، فكل من عمل عملًا أطاع فيه وسارع فهو حافد، قال: ومنه قولهم «إليك نسعى ونحفِد»، والحَفَدان السرعة.
قال أبو عبيد: الحفد العمل والخدمة.
وقال الخليل بن أحمد: الحَفَدة عند العرب الخدم، وقاله مجاهد.
وقال الأزهري: قيل الحفدة أولاد الأولاد.
وروي عن ابن عباس.
وقيل: الأختان؛ قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحا وسعيد بن جُبير وإبراهيم؛ ومنه قول الشاعر:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحتْ ** لها حَفَدٌ ما يُعَدُّ كثيرُ

ولكنها نفس عليّ أبيّة ** عيوف لإصهار اللئام قذور

وروى زِرّ عن عبد الله قال: الحفدة الأصهار؛ وقاله إبراهيم، والمعنى متقارب.
قال الأصمعي: الخَتَن من كان من قِبَل المرأة، مثل أبيها وأخيها وما أشبههما؛ والأصهار منهما جميعًا.
يقال: أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر.
وقول عبد الله هم الأختان يحتمل المعنيين جميعًا.
يحتمل أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبهه من أقربائها، ويحتمل أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجونهن، فيكون لكم بسببهن أختان.
وقال عكرمة: الحفدة من نفع الرجل من ولده؛ وأصله من حَفَد يحفِد بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل إذا أسرع في سيره؛ كما قال كُثَيّر:
حفد الولائد بينهن

البيت..
ويقال: حفدت وأحفدت، لغتان إذا خدمت.
ويقال: حافد وحَفَد؛ مثل خادم وخَدَم، وحافد وحفدة مثل كافر وكفرة.
قال المهدوي: ومن جعل الحفدة الخدم جعله منقطعًا مما قبله ينوي به التقديم؛ كأنه قال: جعل لكم حفدة وجعل لكم من أزواجكم بنين.
قلت: ما قاله الأزهري من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصه؛ ألا ترى أنه قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} فجعل الحفدة والبنين منهن.
وقال ابن العربيّ: الأظهر عندي في قوله: {بنين وحفدة} أن البنين أولاد الرجل لصُلْبه والحفدة أولاد ولده، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا، ويكون تقدير الآية على هذا: وجعل لكم من أزواجكم بنين ومن البنين حفدة.
وقال معناه الحسن.
الثالثة: إذا فرعنا على قول مجاهد وابن عباس ومالك وعلماء اللغة في قولهم إن الحفدة الخدم والأعوان، فقد خرجت خدمة الولد والزوجة من القرآن بأبدع بيان؛ قاله ابن العربيّ.
روى البخاري وغيره عن سهل بن سعد: أن أبا أُسَيِّد الساعدي دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم لعرسه فكانت امرأته خادمهم، الحديث، وقد تقدم في سورة هود.
وفي الصحيح عن عائشة قالت: أنا فتلت قلائد بُدْن النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي، الحديث.
ولهذا قال علماؤنا: عليها أن تفرش الفراش وتطبخ القِدْر وتَقُمّ الدار، بحسب حالها وعادة مثلها؛ قال الله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]. فكأنه جمع لنا فيها السَّكَن والاستمتاع وضربا من الخدمة بحسب جري العادة.
الرابعة: ويخدُم الرجُل زوجتَه فيما خفّ من الخدمة ويُعينها، لما روته عائشة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكون في مهْنة أهله فإذا سمع الأذان خرج.
وهذا قول مالك: ويعينها.
وفي أخلاق النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يخصِف النعل ويَقُمّ البيت ويَخِيط الثوب.
وقالت عائشة وقد قيل لها: ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: كان بشرًا من البشر يَفْلِي ثوبه ويحلب شاته ويخدُم نفسه.
الخامسة: وينفق على خادمة واحدة، وقيل على أكثر؛ على قدر الثروة والمنزلة.
وهذا أمر دائر على العرف الذي هو أصل من أصول الشريعة، فإن نساء الأعراب وسكان البوادي يخدمن أزواجهن حتى في استعذاب الماء وسياسة الدواب، ونساء الحواضر يخدم المقِل منهم زوجته فيما خف ويعينها، وأما أهل الثروة فَيخدِمون أزواجهن ويترفهن معهم إذا كان لهم منصب ذلك؛ فإن كان أمرًا مشكلًا شرطت عليه الزوجة ذلك، فتشهد أنه قد عرف أنها ممن لا تخدم نفسها فالتزم إخدامها، فينفذ ذلك وتنقطع الدعوى فيه.
قوله تعالى: {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطيبات} أي من الثمار والحبوب والحيوان.
{أفبالباطل} يعني الأصنام؛ قاله ابن عباس.
{يُؤْمِنُونَ} قراءة الجمهور بالياء.
وقرأ أبو عبد الرحمن بالتاء.
{وَبِنِعْمَةِ الله} أي بالإسلام {هُمْ يَكْفُرُونَ}.
قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السماوات} يعني المطر.
{والأرض} يعني النبات.
{شَيْئًا} قال الأخفش: هو بدل من الرزق.
وقال الفرّاء: هو منصوب بإيقاع الرزق عليه؛ أي يعبدون ما لا يملك أن يرزقهم شيئًا.
{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} أي لا يقدرون على شيء، يعني الأصنام.
{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} أي لا تشبّهوا به هذه الجمادات؛ لأنه واحد قادر لا مثل له، وقد تقدم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} يعني أن الله سبحانه وتعالى بسط على واحد وضيق وقتر على واحد وكثر لواحد وقلل على آخر، وكما فضل بعضكم على بعض في الرزق، كذلك فضل بعضكم على بعض في الخلق والخلق والعقل والصحة والسقم والحسن، والقبح والعلم والجهل وغير ذلك.
فهم متفاوتون ومتباينون في ذلك كله، وهذا مما اقتضته الحكمة الإلهية والقدرة الربانية {فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم} يعني من العبيد حتى يستووا فيه هم وعبيدهم يقول الله سبحانه وتعالى هم لا يرضون أن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقتهم سواء وقد جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني يلزم بهذه الحجة المشركين حيث جعلوا الأصنام شركاء لله قال قتادة: هذا مثل ضربه الله.
يقول: هل منكم أحد يرضى أن يشركه مملوكه في جميع ماله فكيف تعدلون بالله خلقه وعباده، وقيل: في معنى الآية أن الموالي والمماليك الله رازقهم جميعًا {فهم فيه} يعني في رزقه {سواء} فلا تحسبن أن الموالي يردون رزقهم على مماليكهم من عند أنفسهم، بل ذلك رزق الله أجراه على أيدي الموالي للمماليك، والمقصود منه بيان أن الرازق هو الله سبحانه وتعالى لجميع خلقه وأن الموالي والمماليك في الرزق سواء وأن المالك لا يرزق المملوك، بل الرازق للمماليك والمالك هو الله سبحانه وتعالى.
وقوله: {أفبعنمة الله يجحدون} فيه إنكار على المشركين حيث جحدوا نعمته وعبدوا غيره.
قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} يعني النساء فخلق من آدم حواء زوجته وقيل: جعل لكم من جنسكم أزواجًا لأنه خطاب عام يعم الكل فتخصيصه بآدم وحواء خلاف الليل {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} الحفدة جمع حافد وهو المسرع في الخدمة المسارع إلى الطاعة ومنه قوله في الدعاء «وإليك نسعى ونحفد» أي نسرع إلى طاعتك، فهذا أصله في اللغة ثم اختلفت أقوال المفسرين فيهم فقال ابن مسعود والنخعي: الحفدة أختان الرجل على بناته وعن ابن مسعود أيضًا، أنه أصهاره فهو بمعنى الأول فعلى هذا القول، يكون معنى الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات، فزوجوهم فيجعل لكم بسببهم الأختان والأصهار.
وقال الحسن وعكرمة والضحاك: هم الخدم.
وقال مجاهد: هم الأعوان وكل من أعانك قد حفدك وقال عطاء: هم ولد الرجل الذين يعينونه ويخدمونه وقيل: هم أهل المهنة الذين يمتهنون ويخدمون من الأولاد وقال مقاتل والكلبي: البنين هم الصغار والحفدة كبار الأولاد الذي يعينون الرجل على عمله، وقال ابن عباس: هم ولد الولد.
وفي رواية آخرى عنه أنهم بنو امرأة الرجل الذين ليسوا منه وكل هذه الأقوال متقاربة لأن اللفظ يحتمل الكل بحسب المعنى المشترك، وبالجملة فإن الحفدة هم غير البنين، لأن الله سبحانه وتعالى قال: بنين وحفدة فجعل بينهما مغايرة {ورزقكم من الطيبات} يعني النعم التي أنعم عليكم من أنواع الثمار والحبوب والحيوان، والأشربة المستطابة الحلال من ذلك كله {أفبالباطل يؤمنون} يعني بالأصنام وقيل: بالشيطان يؤمنون وقيل: معناه يصدقون أن لي شريكًا وصاحبة وولدًا وهذا استفهام إنكار أي ليس لهم ذلك {وبنعمة الله هم يكفرون} يعني أنهم يضيفون ما أنعم الله به عليهم إلى غيره، وقيل معناه إنهم يجحدون ما أحل الله لهم {ويبعدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقًا من السموات والأرض} يعني الأصنام التي لا تقدر على إنزال المطر الذي في السموات خزائنه، ولا يقدرون على إخراج النبات الذي في الأرض معدنه {شيئًا} يعني لا يملك من الرزق شيئًا قليلًا ولا كثيرًا، وقيل معناه يعبدون ما لا يرزق شيئًا {ولا يستطيعون} يعني ولا يقدرون على شيء يذكر عجز الأصنام عن ايصال نفع أو دفع ضر.
{فلا تضربوا لله الأمثال} يعني لا تشبهوا الله بخلقه فإنه لا مثل له ولا شبيه ولا شريك من خلقه، لأن الخلق كلهم عبيده، وفي ملكه فكيف يشبه الخالق بالمخلوق، أو الرازق بالمرزوق، أو القادر بالعاجز {إن الله يعلم} يعني ما أنتم عليه من ضرب الأمثال له {وأنتم لا تعلمون} خطأ ما تضربون له من الأمثال. اهـ.